إنطباع غلط

قبل سنتين تقريبا ( قبل الأزمة مع الدانمرك ) حضرت مؤتمرا هندسيا في الدانمرك مع زميلة لي في العمل
الحضور العربي كان قليلا جدا ولا يصل إلى عشرة أشخاص .... جميعهم ذكور عداي أنا وزميلتي !
منظمو الحفل كانوا غاية في الدقة والإحترام لدرجة أنهم سألونا قبل الدخول للقاعة في يوم الإفتتاح إن كانت هناك أصنافا من الطعام محظورة علينا لأسباب صحية أو دينية أو لا نستسيغها ؟
أجبنا طبعا أننا نريد أكلا حلالا وخالي من الكحول لأننا مسلمين
كنت وزميلتي خلال أول ثلاث أيام بالمؤتمر مأخوذتان بحسن الترتيب والتنسيق للمؤتمر .... فلا شيء متروك للصدف ...كل شيء محسوب حسابه ... حتى الشمسية لجوهم الماطر كانت من ضمن محتويات الحقيبة الهدية مع الأوراق والأقلام وأجندة المؤتمر ... لذا لم ننتبه لأخينا الخليجي الوحيد الذي يحضر للمؤتمر معنا ولم نستغرب عدم سلامه علينا أو عرضه لتقديم خدماته ومساعدته إن إحتجنا لشيء ..... ولو من باب المجاملة ؟
وبالذات وإن باقي العرب توافدوا علينا تباعا للسلام وتعريف أنفسهم ... أما غير العرب فكانوا حريصين على إلتقاط الصور التذكارية معنا !
وعرفنا لاحقا أن سر إعجاب الأجانب بنا يكمن في لون بشرتنا السمراء وشعرنا الأسود وعيوننا الداكنة !!!
الحضور كان يغلب عليه الحضور الإسكندنافي ذوي البشرة الفاتحة جدا والشعر الأشقر الفاتح .... والملفت للنظر هو أدب وغنى سكان تلك الدول !
كنا مجموعة كبيرة وننتقل بواسطة الباصات من مكان لآخر .... فكنا نحن الأقلية العرب نستقل نفس الباص ونتفقد بعضنا البعض ما عدا أخونا الخليجي الذي يبتعد عنا نحن الإثنتين بالذات !
لم نستغرب منه هذا التصرف لأسباب إجتماعية نتميز بها في الخليج ونتفهمها جيدا
إلى أن جمعته معنا طاولة الطعام الحلال في اليوم الأخير للمؤتمر ... وعرفنا السبب ؟
حفل الختام كان في مطعم قريب من حديقة تيفولي جمعونا نحن العرب المسلمين على طاولة مستديرة واحدة وصرنا كحلقة ملتفة حول المائدة
من عادة الدانمركيين أن يكون الجلوس في المطاعم لمدة طويل تصل لأربع ساعات أحيانا !!
يتناولون الطعام على مهل ويتحادثون وفاصل زمني يفصل كل كورس طعام عن الآخر ... لا شيء يدعو للعجلة فلا زبائن تنتظر مغادرتنا لتحل مكاننا .... ولا خدمة ( فوقة فوقة ) حتى نغادر بسرعة كسبا لزبون آخر .... ولا نأكل كأننا ( ملحوقين ) كما هي عادتنا !
في البداية كان يراقب حديثنا مع إخواننا العرب .... والوضع كان هم يسألوننا عن أحوالنا في الكويت ونحن نجيب ... كنا سعيدتان بلعب دور السفيرات
أما هو فظل ساكتا يستمع ويراقب ويأكل ويحادث أحيانا جاره الآخر دون أن يتدخل بالحديث معنا ...لم نرغب في إحراجه والحديث معه ... ربما هو من النوع الذي لا يكلم الإناث ؟
أمامنا وقت طويل نمضيه معا حول الطاولة الحلال فكان لا بد من كلام أخينا الخليجي معنا وخاصة وإن نصيبه أن يكون جارا لزميلتي على المائدة !
بعد كورس المقبلات سألنا أخونا الخليجي بدون مقدمات : أنتم متأكدين إنكم كويتيات ؟
نحن بإستغراب : نعم ... من وين جاك الإيحاء بأننا غير كويتيات ؟
هو : طريقة لبسكم .. مكياجكم ... كلامكم .... ما تبين إنكم كويتيات ؟
نحن بإستغراب : إحنا كذيه كما ترانا داخل الكويت وخارجها ... وين شفت كويتيات من قبل ؟ ومن وين جاك هذا الإنطباع ؟
هو : إنتم غير عن اللي نشوفهم بمسلسلاتكم ؟
نحن : ومن قال لك إن مسلسلاتنا تصورنا كما نحن ؟
هو : كيف ما تصوركم مثل ما إنتو ؟ وكتاب المسلسلات يوم سألت عنهم قالوا لي إنهم كويتيين !
صمتنا من صدمة الإجابة .... الحديث كان جماعي وعلى مسمع ومرأى من باقي الأخوة العرب
سألناه : شنهي فكرتك عن البيت الكويتي ؟
وليتنا ما سألنا !
هو : الأب سكير راعي حريم ... والولد صاحب قعدات وتافه والحياة عنده سيارات فخمة وكل همه يطلع فلوس من أبوه .... وبناتكم كلهم يكلمون شباب بالتلفونات وبعضهم بويات وبعضهم يروحون شقق للشباب ويسكرون معاهم ويسوون المنكر .... والأمهات تتستر على فساد بناتها وأولادها ويدخنون السجاير بالصالونات وكل همها إن ريلها ما يتزوج عليها وتدور على أحد يسوي لها عمل تسحر رجلها فيه وطول نهارها كياجها ترس وجها وتكشخ بدراعة يوصل طول كمها للقاع ... أتعجب وأنا أشوفها وأقول هذي إشلون تجلس ؟ وإلا بتنجب الغدا ؟ وإلا بتشتغل بالبيت ؟
اللهم ساتر بيوتكم كلها فساد بفساد ..... شخصيات معقدة .... خمر ومخدرات وطراقات وصراخ ورقص خليطي الحريم مع الرياجيل وكلام هابط ولغة تخاطب بين الأهل خالية من الإحترام .... ما في أحد سنع في بيوتكم إلا الخبلان المجانين والمعاقين !
هذا اللي نشوفه عنكم في مسلسلاتكم !
وتساءل بضيق :
وين راحوا شخصيات درب الزلق وخالتي قماشة وأم عليوي وغيرها من شخصيات المسلسلات والمسرحيات اللي حبيناها وحبيناكم منها ؟
نحن : بصراحة كلامك صح .... لكن هذي المسلسلات ما تصورنا ....وفيها الكثير من المبالغات لزوم جذب المشاهدين والربح المادي ..... حنا مجتمع حالنا حالكم فينا الطيب وفينا الخبيث ..... وفينا الآفات اللي ذكرتها ولكنها ليست صفة عامة لكل المجتمع .... وليست بهذا التركز المغيث ... بيوتنا غير جذيه تماما ... وهذا إنتا شفتنا تنقد علينا بشي ؟
هو : حشا والله .... وقاعد أتفكر بيني وبين نفسي معقولة هذيله كويتيات ؟ بالأول كنت أتجنبكم وقاعد قد ما أقدر أهمل وجودكم ... وحتى المشكلة اللي صارت لكم بأول يوم مؤتمر ( جهة عملنا تأخرت بدفع رسوم المؤتمر ) كنت أدري عنها وتعمدت إني ما أساعدكم ... قلت قربي منكم شبهة !
ولكن سلوككم المحترم وتعاملكم مع زملائكم العرب والأجانب وحرصكم على توفر مكان لأداء الصلاة وإجابتكم لمنظمي المؤتمر أول ما سجلتوا بعدم تواجد أي محرمات على مائدتكم .... خلتني غصب أراقبكم وأنبهر من أخلاقكم العالية .... وخلتني أنا وغيري نقلدكم ونطلب طعام حلال مثلكم مع إني عمري ما شرطت هالشرط في المؤتمرات اللي أحضرها ... أنقي السمك والخضار وأترك الباقي وأمشي حالي
سكت قليلا ونحن بحالة صدمة .... ثم أكمل :
كنت أقول بنفسي يا ساتر منهم الكويتيات داخل بلدهم وبين أهلهم ولا أحد رادهم عن المناكر ... عيل وش يسوون بره بلدهم وبدون رقابة أهلهم ؟
لكن إن تبون الحق ما شفت إلا كل شي زين منكم
طبعا صعقنا من سماع هذا الإنطباع عن البيت الكويتي على مستوى الخليج ومع إنه مدحنا لكن ضاق خلقنا على الإنطباع السيء عن بلدنا وعيال بلدنا بالذات !!!
وكلامه فسر لنا سر تصرفاته اللي حنا بالأساس مو ماخذين بالنا منها !
مراقبته من بعيد لبعيد لنا كم يوم كانت كفيلة بإحداث خلخلة بوجهة نظرة عن الكويتيات بالذات وبدون أدنى مجهود منا .... كنا نتصرف على طبيعتنا بدون تعمد لترك إنطباع معين لغيرنا !
مهما قلنا ومدحنا أنفسنا ما راح نمحي صورة المسلسلات عن عقله لذا رأينا أن نوجه له دعوة هو وعائلته لزيارة الكويت ويحل ضيفا علينا نحن الثنتين ليرى البيت الكويتي على حقيقته بعينه وقلبه .... شكرنا ورفض الدعوة بلطف وقال :
أنا مصدقكم .... لكن من سيقنع آلاف المشاهدين غيري ؟
تضايقت جدا لأني لم أستطع أن أجيب على سؤاله حول لماذا الكاتب الكويتي أو المنتج الكويتي يقبل هذا المستوى من المسلسلات بحق المجتمع الكويتي ؟
لا ندعي فضيلة المجتمع الكويتي .... لكننا نرفض أن تلصق بنا هذا الكم من الصفات وبصورة مركزة في العائلة الواحدة ؟
فهل يعقل أن تكون كل الشخصيات في المسلسل شاذة ومنحرفة ؟
وما يبعث على المرارة بالنفس أن تلك المسلسلات تعرض في الشهر الفضيل بالذات ...شهر الطاعة والعبادة
و28 حلقة فساد وكلام بايخ يحفظونه الأطفال بغير فهم وتأتي التوبة مسلوقة ومالقة وما لها طعم وغير مقنعة بالمرة في آخر حلقة .... ولا تخرج عن الإحتمالات التالية إما سجن أوجلطة أو مرض قاتل مثل السرطان أو الكلية !!!
ونحن في هذا الشهر الكريم .... ومع زحمة المسلسلات .... مع إنها أرحم بكثير من مسلسلات السنوات الماضية
إلا أني تذكرت ما حصل لي شخصيا ورأيت ذكره لكم
لأنه جعلني أتحلطم أنا وزميلتي طوال رحلة العودة للكويت !
ولا حول ولا قوة إلا بالله