في أحد مقاهي الكويت جلست قبالتي
أحدى أقرب المقربات لي من قريباتي رغم أنها تكبرني بسنوات
لم تكن بحاجة لمن يشجعها على الكلام فكل إشارات جسدها تقول عندي كلام بأقولة
ما أن جلسنا على طاولة منعزلة نوعا ما حتى
سألتني بدون مقدمات : جربتي تطلعين من البيت اللي تربيتي فيه ؟
أنا فورا : طبعا جربت بسبب زواجي وحزنت جدا لخروجي من منزل أهلي اللي تربيت فيه بين أمي وأبوي وأخواني وأخواتي
هي مأكدة كلامي : هذا سهل لأن بيت أهلك موجود ... كنت صغيرة لما خالي وزوجته طلع لهم بيت وطلعوا من بيت جدتي .... ما أنسى المناحة اللي صارت لدرجة إن جدتي مرضت بسبة طلعتهم ... مع إن صار لهم بيت خاص فيهم
أنا : كل شي ولا البيت والمكان اللي نتربى فيه .... ذكرتيني بعماتي لما إنباع بيت أبوهم وهدمه المالك الجديد ... تصدقين صاروا يبكون وكأن أبوهم توه متوفى مع إنهم كلهم متزوجات وعندهم بيوت !
هي ودمعة تلمع بعينها : اللي صاير فيني الحين مثل اللي صاير بعماتج .... بس الفرق إني عايشة ببيت أهلي ؟
أنا : إشلون ؟
هي : بيت أهلي بحاجة لترميمات لا بد منها وراح تطول تمديدات الماء والصرف الصحي
أنا : كل البيوت بحاجة لترميمات بين فترة والثانية ... عادي !
هي : إييييييييييه ( وهي تزفر ) أدري ... لكني ما هقيت بيجري عليّ اللي جرى ؟
تكمل بحزن ....
ما أدري شنو صار فيني لما رجعت من الدوام وشفت أرضية رخام حمام أبوي الله يرحمه اللي منقيه نقوة بمزاجه وعلى ذوقه صار ركام مكسر عند رصيف البيت ناطر النساف يشيله ؟
تأزمت نفسيا وضاق خلقي .... تصدقين خذيت قطعة من الرخام وصرت أقلبها بإيدي وأنا أذكر فخر أبوي بحمامه الرخامي ... كل شي فيه كان من الرخام الطبيعي النقي وبصناعة يدوية ... علبة الكلينكس ... كلاس فرش الأسنان ... وصينية الصابون
من جمال الحمام صارت الناس تجي لنا البيت علشان تشوفه
كنا وإحنا صغار لي بغينا نصور نروح للحمام ونصور لأنه كان أكشخ مكان بالبيت ؟!
وشفت سيراميك أرضيات باقي الحمامات والصالات مكسرة ومخلوطة ببعض
ما كأنها أكثر من ثلاثين سنة مرت على نزلتنا البيت ... كأنه أمس وأشوفه الحين جدام عيني
أذكر السيراميك والرخام بالصناديق الخشب بحوش المنزل بعده ما تركب
وإحنا نلعب بالجواري حواليهم ... وأبوي يصرخ علينا وهو يرش حوش البيت الرمل بالماي قبل لا يتكيش
لا تدعمون الصناديق وتكسرون الكاشي وتعورون روحكم
نستجيب له ... نهد الجواري ونركض نتسابق نركب كومة من الرمل وإحنا فرحانين نسميها جبل ( كانت أعلى مرتفع تشوفه عيونا ذاك الوقت ) ونتدرح منه لأسفل ... وعلى ما يخلص أبوي من إشرافه على سير العمل قبل وقت المغرب إلا وسيقانا وإيدينا ورموشنا ملح من الغبار
تتنهد وهي تكمل مع إبتسامة خفيفة للذكريات الجميلة :
إي والله كأنه أمس
تلم أمي إستكاناتها وجايها وقروضاتها ويدتي تطوي البساط النايلون ونركب كلنا السيارة وما أدري أشلون تكفينا على كثرنا وهوشة على منو ينسدح على طابلون السيارة الخلفي !!
متعة ما بعدها متعة
الله يرحمهم أجمعين يرحم أيامهم
أنصت بإهتمام لإسترسالها الحزين وبنفس الوقت أهز رأسي لتقول المزيد من ذكريات حلوة
هي :
تعايشنا مع البيت من بداياته وكبر جدام عيونا طابوقة طابوقة وطوفة طوفة كل زاوية وكل بلاطة وكل حيطة تحمل ذكرى ...
وبتعاقب السنوات وبتغيير الأرضيات وألوان البيت والتكسية من الخارج وإعادة ترتيتب إستعمالات بعض الغرف وهدم بعض الحيطان وإستدخال جزء من الحوش لعمل مزيد من الغرف .... ومع آخر ترميم
تغير البيت ... ما عاد هو البيت اللي أعرفه .... إختفت غرفة يدتي الصغيرة !
وإختفى الحوش الخلفي اللي كنا نتريق فيه بالصيف على صوت المذياع وهو يذيع أخبار السادسة صباحا .... نتريق بصمت ولا نسمع غير صوت مذيع الأخبار المخيف وخرير البقصم وتكسر الخبز وإذا وصل المذيع لكلمة إنتقل إلى رحمة الله تعالى رفع والدي صوت المذياع وهو يترحم على من توفى ويقول أنتم السابقون ونحن اللاحقون
إختفت الطوفة اللي كنا نرسم ونشخبط عليها بالطباشير
تصبغ ونهدد بعدم التشخبط ... نلتزم فترة وبعدين نرد نشخبط .. ولا أعلم كم عدد المرات اللي إنصبغت فيها الطوفة بسبتنا ؟
تنظر مباشرة لعيني وتقول :
تصدقين
أشعر بغربة في منزلنا الحديث المرمم
فقدت حكايات الغرف وما جرى بها من فرح وحزن
إختفى المطبخ حيث غسلت جثة يدتي بناء على وصيتها قبل أن تموت
إختفى الحوش الكبير حيث أقمنا أفراح أخواتي قبل أن تطلع موضة الفنادق وصالات الأفراح وتبقى القليل منه
دمجت الغرفة التي تتنفس بها أخواتي بعد الولادة مع غرفة أخرى وصارت صالة
إختفى المكان اللي كنا نربط فيه خروف العيد
إختفت العتبة المفضلة التي كانت تجلس عليها أمي الله يرحمها شتاء تحت الشمس الدافئة وهي تنقي العيش من الشوائب
لم يتبق من المنزل غير السلم ومكانة
أشعر كأن منزلي القديم إنسلخ وولد آخر حديث بروح جديدة
أحسست بشعور من يغادر منزله إلى غير رجعة
تعاطفت مع من أحسوا قبلي بهذا الشعور
كنت أضحك عليهم وأقول أنهم يبالغون وعاطفيون زيادة عن اللزوم
والآن ها أنا أشرب من نفس الكاس
ومن يدري بعد سنوات قد أتآلف مع البيت الجديد
ولا أتحسر الآن إلا على شيء واحد
أنني لم أصور غرفنا وأثاثنا وصالاتنا القديمة
والشي الوحيد اللي طلعنا فيه كان من عبث الطفولة
وصور حمام أبوي الله يرحمه
هناك 24 تعليقًا:
نعم راح تعتاد المنزل اليديد و يحل محل الذكريات القديمه ..ذكريات فرش :)
اي والله يانيكون مالومها...
انا للحين ليرحت بيت يدي اتذكر شلون كان..واتحسر
مع انة الحين احلى بس احس مافية روح
لأنة انهد من عرجة وردوا بنوه
يازين الذكريات..
الله يعينها وترد تآلف هالبيت وترد له الروح من يد ويديد
تحياتي...
أنا جربت الشعور هذا
لما هدينا بيت الوالدة حتى نعيد بنيانه..
عورني قلبي لما شفته مهدم ، بكيت ، وماقدرت أتحمل..
تذكرت الوالد ، وكل اللحظات اللي عشناها معاه في هالبيت..
تذكرت أيامي كلها ..
الحمد لله ، الحين البيت اشحلوه..
وراحت الضيقة
;)
وهوشة على منو ينسدح على طابلون السيارة الخلفي !!
يعني مو بس بيتنا !!
ذكريات جميلة بالفعل هذا مانحسه دايما :")
بس التجديد والتغيير صار شيء ضروري بالحياة
ولازم نتأقلم
بس تظل ريحة الذكرى غييييير
نقل فؤادك ما شئت من الهوى ما الحب الا للحبيب الاول .... وكم من منزل يألفه الفتى وحنينه أبدا لأول منزل
انا شخصيا مريت بهالموضوع بعنا بيت يدي بالخالديه بسنه 2002 واللي شراه هدمه والى اليوم محد شراه والارض فاضيه لعدة اسباب والى اليوم تقريبا اسبوعيا امر عنده واقعد ربع ساعه اعيد شريط الذكريات لين اصول مرحله خلاص امشي غصب ما اتحمل .
بجيت
تذكرت نفسي..
تدرين لما امر في بيت يدتي..
مكان معين واغمض عيوني
اشم ريحة أول..
واشوف نفسي وبنات عمتي وبنات عمي
كلنا انتسدح على دوشق تالين مين غرفة الخدم( مؤرفين كنا بشطانتنا ):)
ومتشردقين كل وحده فينا ماده ريلها على كبت الديكور الي فيه التلفزوين..وانطالع في قصص الشعوب...
ليلحين اذكر بيت الدري
و بنت عمتي لما انضيعها كل نلقاها لابده اهناك اتكلم صديقها الوهمي وتمشط شعرها واهي تبربر:)
يالله ايام...معقولة اكثر من 20 سنة مرت؟؟؟
شي عجيب
بوست حلو
ولهنا عليج وعلى سوالفج:*
ستحيا ذكرياتٍ جديدة في بيتهم الجديد
منزل مبارك إن شاء الله
:)
ما تنلام
نقلتي مشاعرها لنا بصورة جميله ، ماشالله عليج وعسى ربي يحفظج
:)
حرام عليج بجيتيني
:)
سبحان الله شلون الاماكن لها معزة مثل الاشخاص
نيكون ,اسم علي مسمى ماشاء الله صورتي بدقة ممتازة المكان والزمان
احس اني اشوف كل شي بعيني
ذكريات حلوه
البيوت القديمة لها روح نحس فيها وتعيش معانا ومن جذي نتاثر ما نتركها
مبارك عليج الشهر نيكون وكل عام وانت بخير
ابكاني البوست يا نيكون
ابكاني بحرقه
لم اكن اعرف اني مشتاقه لذلك البيت
ورائحة ابي بطيبه
وبخورة يوم الجمعه
والحوش الكبير والمعلق بشاي الضحى مع جارات امي
وجيران الطيبه والوفا والبيت الواحد واللمه الجميله
الشارع الواسع وانا وهم نمرح حتى يصيح المسجد بأذان المغرب
وابي رحمه الله
بيته الذي يفخر به
وكأنهم يرحلون ثانية مع تلك البيعه
ويأخذون معهم كل الذكريات
الله يرحمهم
Sami
أكيد ستعتاد على المنزل الجديد
وستكون به ذكريات للصغار عن الكبار
ولكن محي الذكريات وما يذكرنا بأحبابنا صعب يا سامي
الليوان
لا أعلم كيف هدم منزل يفقده روحه التي تعودنا عليها ؟
الله يعينا أجمعين
يا هلا بك يا ليوان
أثريت البوست بكلامك
مـي
الجديد له رونقة وفرحته
بس شفتي إشلون الشعور صعب الإحتمال ؟
Sen
ألا ترين يا عزيزتي على طاري التغيير والطبلون
إن السيارة الآن بعد أن تغيرنا صارت بالكاد تكفي ثلاثة يجلسون في المقعد الخلفي
لا ويشكون من الضيج بعد ؟
ألا يرحم أيام مضت ؟!
مَـــــعْــــمَــــعَـــــه
نفس الحال مر به والدي
كان يأخذنا للديرة ويؤشر على مكان ويقول هنا كان منزلنا
لم نكن نعي ما يقصد
الدنيا تدور وها نحن نمر بذات الشعور
سلة ميوّة
ولهت عليج العافية يا عزيزتي
أما شطانتكم فأكيد كانت تزيد وقت الصيف والعطل والجمعة والنوم في البيت الكبير
ذكرياتج حلوة ... ضحكتيني
:)
Seema
الله يبارك فيج يا عزيزتي
:)
ARTFUL
شكرا لك يا عزيزي
ويحفظك ربي إنت بعد واللي تعزه
:)
الحياة حلم
تصدقين يا أختي إني بدأت أشعر بأن الأماكن لها روح مستمدة من روح سكانها
Sweet Revenge
علينا وعليك يا رب
وتعودينه إنشاءالله وسط أحبابك
:)
الزين
ذكرياتك الجميلة عن أحبابك تستحق منك قصة يا مبدعة يا الزين
تدور سوالفة حول لمة الجارات كول صينية الشاي العصر البسيطة في المعلق
ألا توافيقيني في ذلك ؟
غريب كيف يكون الشوق بداخلنا جارفا ولا نشهر به إلا بنكشة ؟
الذكريات كنز بحلوها ومرها
كل مكان فيه ذكريات الانسان يحزن على فراقه ، لكن الحياة تستمر و تنولد ذكريات جديده ، و لكن الانسان يقى متعلقا بذكرياته الاولى
الله يبارك لهم بالبيت الجديد
AMJ
شكرا على المشاركة
والمنزل الأول هو الأحب وخاصة إذا إقترن بذكريات حلوة :)
إرسال تعليق